تأملات من القرآن والسنة:
إن مصطلح العظام الذي أطلقه القرآن الكريم على هذا الطور هو المصطلح الذي يعبر عن هذه المرحلة من حياة الجنين تعبيرًا دقيقًا يشمل المظهر الخارجي، وهو أهم تغيير في البناء الداخلي وما يصاحبه من علاقات جديدة بين أجزاء الجسم واستواء في مظهر الجنين، ويتميز بوضوح عن طور المضغة الذي قبله، قال تعالى: "فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" (المؤمنون: 14).
وتكَوُّن العظام هو أبرز تكوين في هذا الطور؛ حيث يتم الانتقال من شكل المضغة الذي لا ترى فيه ملامح الصورة الآدمية إلى بداية شكل الهيكل العظمي في فترة زمنية وجيزة لا تتجاوز أياما قليلة خلال نهاية الأسبوع 6 (ولهذا استعمل حرف العطف "ف" الذي يفيد التتابع السريع)، وهذا الهيكل العظمي هو الذي يعطي الجنين مظهره الآدمي بعد أن يكسى باللحم (العضلات) وتظهر العينان والشفتان والأنف، ويكون الرأس قد تمايز عن الجذع والأطراف، وهذا مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا مرّ بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكًا فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا ربّ أذكر أم أنثى؟" صحيح مسـلم. بعد أن يمر على النطفة 42 ليلة (6 أسابيع) يبدأ التصوير فيها لأخذ الشكل الآدمي بظهور الهيكل العظمي الغضروفي، ثم تبدأ الأعضاء التناسلية الظاهرة بالظهور فيما بعد (الأسبوع 10) .
وفي الأسبوع السابع تبدأ الصورة الآدمية في الوضوح؛ نظراً لبداية انتشار الهيكل العظمي، فيمثل هذا الأسبوع (ما بين اليوم 40 و45) الحد الفاصل ما بين المضغة
مايقولونه عن : طور العظام:
مع بداية الأسبوع السابع يبدأ الهيكل العظمي الغضروفي في الانتشار في الجسم كله، فيأخذ الجنين شكل الهيكل العظمي وتكَوُّن العظام هو أبرز تكوين في هذا الطور حيث يتم الانتقال من شكل المضغة الذي لا ترى فيه ملامح الصورة الآدمية إلى بداية شكل الهيكل العظمي في فترة زمنية وجيزة،
- طور الكساء باللحم:
يتميز هذا الطور بانتشار العضلات حول العظام وإحاطتها بها كما يحيط الكساء بلابسه. وبتمام كساء العظام بالعضلات تبدأ الصورة الآدمية بالاعتدال، فترتبط أجزاء الجسم بعلاقات أكثر تناسقاً، وبعد تمام تكوين العضلات يمكن للجنين أن يبدأ بالتحرك.
وفي موضوع خلق الانسان:
فخلايا العظام هي غير خلايا اللحم، وقد ثبت أن خلايا العظام تتكون أوَّلاً في الجنين، ولا تُشاهد خلية واحدة من خلايا اللحم إلا بعد ظهور خلايا العظام، وتمام الهيكل العظمي للجنين.
الردود المرتكزة على المنطق
الرد الأول: الخبرة الذاتية
أنه ـ و كما ذكرنا أعلاه ـ أحد لم يرى جنين و هو من عظام لم تكسى بعد أي قبل أن تصل إلى مرحلة العظم المكتسي باللحم
الرد الثاني: الضعف من ناحية التسلسل الزمني
و عندما نراهم يفسرون و يحددون باليوم و بالتفصيل المريح متى تبدا و تنتهي مرحلة العلقة و مرحلة المضغة نجد ان فصاحتهم فجأة تنتهي عندما تأتي مرحلة العظام إذ يفترض انها تبدأ بعد مرحلة المضغة، حسب النص المقدس الذي يراد إلباسه للعلم. و بالكاد تظهر العظام، حسب إدعائهم، تكسى بالعضلات، دون ان يكلفوا انفسهم بتحديد أي تاريخ، هذه المرة. التفسير المنطقي لسلوك الاعجازيين الغريب معرفتهم أن أحداَ من دارسي الجنين لم يستطيع أن يجد مرحلة العظام قبل أن يكسيها اللحم . ومن المثير انهم يذكرونا بأن حتى الحديث النبوي قد آنبئنا كم تدوم فترة النطفة و فترة العلقة و فترة المضغة، فهم يسارعون لسرد الاحاديث التالية:
حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك. رواه مسلم في القدر
لكنه هنا ايضا لم يجري تحديد كم تدوم فترة العظام... و قيل أنه يمكن تفسير هذا الحديث بأحتمالين:
وظاهر الحديث يحتمل احتمالين، اما ان تكون كل عملية تتم في اربعين يوم، او ان كل العمليات تتم في الاربعين يوم الاولى
ينمو الجنين خلية فخلية و تتطور أجهزته بشكل متدرج و متكامل حتى يأخذ الوليد الشكل الذي نعرفه أجمعين ، من منّا يلمس رأس الوليد سيلاحظ أن عظام الجمجمة لا تأخذ شكلها النهائي سوى بعد أسابيع من الولادة و من منّا أستطاع دراسة العظام بالأشعة سيلاحظ أن العظام الطويلة تتابع نموها حتى بعد الولادة و لا تأخذ شكلها النهائي ألا بعد البلوغ، وبالتالي فأن نموها المتأخر هو احد اسباب الانتهاء المتاخر .
من نشأ وتشكل قبل الأخر اللحم أم العظام ؟
القلب يبدأ بالنبض و طول الجنين بالكاد 3 مم، نبض القلب يحتاج لنسيج عضلي. لذلك تتبرعم الأطراف بنسيج رخو أولا و تظهر بالجنين الحركات الأولى قبل ان تظهر الأنسجة العظمية للأطراف . الا يكفي هذا ايضا ليثبت أن اللحم نشأ قبل العظم، وبالتالي حتمية ظهور اللحم اولا؟
"طبيب" أقترح أن اللحم المقصود بالكساء هو العضلات الهيكلية ، و كأننا عندما نذهب لنشتري قلوبات الخروف، فأننا لا نشتري لحم... و طبعا لا نشتري عظم. يقول: عموما ساقول لك شيئا جميلا و سهلاً :
1- لن تجد اي عضلة هيكلية تتطور قبل تعظم العظمة الممسكة بها لأن العضلات تعتمد في وظيفتها علي العظام اما العظام فلا تعتمد علي العضلات في أداء وظيفتها.
2- اللحم ليس اي نسيج رخو... لا تستطيع ان تعتبر لاالكبد ولا الكلية ولاالرئة ولاالقلب ولا الدماغ لحوما ًثم انه حتي اذا اعتبرتها، فلكي تكون هي المعنية ينبغي عليك ان تثبت انها تكسي عظاماً لأن كل هذه الاعضاء تكون مغطاة بأغشية. فقط العضلات الهيكلية هي التي تتصل مباشرة "تكسوا" العظام، وبالتالي وحدها المقصودة.
فالحجة التي أستند عليها ليثبت أن العظام تتطور قبل اللحم أن العضلات يجب أن تمسك بشيء حتى تتطور، وانطلق من ان الآية تعني فترة كمال الجنين، أي عندما يكون له شكل ليستنتج أن العضلات الهيكلية هي المعنية بكلمة لحم بالآية، لأن العضلات الهيكلية هي ما يعطي شكل الجنين.
يقول:"ولماذا اختار هذا الحدث بالذات؟ ماهي اهمية العظم واللحم و كل هذا؟ الايات من أولها الي اخرها تتعامل مع Morphology of the body, لاحظ ان العظام والعضلات الهيكلية فقط هي المسؤلة عن قيام الجسم وشكلة. إذاً احداث مثل تطور القلب أو تطور الجهاز الهضمي هي احداث هامشية هنا".
هذا الامر يعيدنا الى سؤالنا الاصلي: من هو الأول، العظام أم اللحم؟
حتى يعطي الاعجازي للعظم الأسبقية بالظهور في مراحل تطورالجنين، و حتى يمكن القول أن العظم يكسى فيما بعد باللحم يضطر الإعجازي للتمسك بأن اللحم المقصود هو فقط العضلات الهيكلية التامة النضج، وأن العظم المقصود هو ظاهرة التعظّم أي Osification وهو بأختصار, تحول نسيج رخو، غالبا الغضروف، الى نسيج قاسي نتيجة تطور خلايا العظام. يقول:" طبعاً ليس أي لحم ولكن العضلات الهيكلية، لاعتبارها هي اللحم الوحيد المسؤول عن قيام الجسم وشكلة. اكرر ان العظام تظهر قبل أن تكمل العضلات نضوجها... العضلات تنهي تطورها architecre,nerve supply, بعد ان تنتهي العظام من التعظم".
لم يقصر ناقضي النظريات الأعجازية بالرد، فمثلا أستغرب البعض كيف للمضغة، و هي لحم، بموافقة الاعجازيين انفسهم، أن تتحول الى عظم ثم تأتي مرحلة أخري يكسى بها هذا العظم بلحم آخر. و كذلك تسائل البعض الأخر عن لحم الكبد، فهو لحم و لكنه عير عضلي. و عرضت أيضا بعض الأمثلة عن عضلات تعمل دون ارتكازها على عظام، مثل عضلة القلب، و عضلة اللسان و عضلات العجان. و بعد عضلات العين، كلها عضلات لاتحتاج الى عظم. كلها يعتبرها العوام لحما و يشتروها تحت هذا الاسم. ما عدى من أدعى أن مقصود الله باللحم، حسب الآية القرآنية، هو العضلات الهيكلية حصراً. و نتساءل إذن عن الجلد، من حيث انه ليس عظم، فهل هو من فئة اللحم؟ مع أن دوره بالإكساء دور أساسي.أين هو موقعه بالآية؟ هل يأتي قبل العظم أيضا حتى يتم معنى الإكساء؟ و كذلك الشحم و الأعصاب و الشرايين إذ انها كلها تشارك في عملية إكساء العظام، فهل ظهرت قبل العظام أم بعدها؟
من المثير ان القرآن قد استعمل كلمة اللحم سابقاً إذ ذكر:
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ
فهل المقصود بلحم الخنزير هو العضلات الهيكلية فقط دون غيرها؟ يعني وحسب تعريف اللحم الاعجازي فأن المقصود باللحم هو فقط العضلات الهيكلية، فهل يمكن أن نقول أن أحشاء الخنزير و قلبه و كبده غير مشمولة بالتحريم لأنها ليست عضلات هيكلية، أي ليست لحم ام ان هذا التعريف مرتبط بحاجة الاعجاز ومقاصده يرفعوه عندما يناسبهم ذلك فقط؟
و لا بد من أن نمر على الآية التي تتحدث عن أعادة التخليق و لنرى التشابه مع التخليق.